[[[[قصة مبدأ التاريخ الإسلامي الهجري وفوائده]]]]

قصة مبدأ التاريخ الإسلامي الهجري وفوائده ودلالاته

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا ، وأتقن ما شرعه وصنعه حكمة وتدبيرا .
أحمدك اللهم حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، كما تحب يا إلهي وترضى ، لك
الحمد حتى ترضى ، ولك الحمد إذا رضيت ، ولك الحمد بعد الرضى . وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له ، خلق الليل والنهار ، فمحا آية الليل وجعل
آية النهار مبصرة ، لنعلم عدد السنين والحساب . وخلق الشمس والقمر وسخرهما
دائبين لخلقه ، متاعا لهم لتستقيم حياتهم ، وتتم بهما مصالحهم . سبحانه
وتعالى لا إله غيره ولا معبود بحق سواه . وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا
عبد الله ورسوله. أرسله إلى الخلق بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه
وسراجا منيرا . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم
تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

@أما
بعد ، فإن الله جعل الليل والنهار خزائن للأعمال ، ومراحل للآجال . يعمرها
الناس بما يعملونه فيهما من خير وشر ، حتى ينتهي بهم الزمان إلى آخر أجلهم
. ومن رحمة الله تعالى بعباده أن جعل لهم ليلا ونهارا ، وجعل لكل منهما
آيتين : آية النهار وهي الشمس ، وآية الليل وهي القمر ، جعل الليل ليسكنوا
فيه ، والنهار مبصرا ليبتغوا فيه فضلا من الله ، ويطلبوا فيه معايشهم .
وجعل كل نهار يتجدد بمنزلة الحياة الجديدة ، يستجد فيه العبد قوته ،
ويستقبل عمله . ولذلك سمى الله النوم بالليل وفاة واليقظة بالنهار بعثا
فقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ
بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ
فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ
يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60))
[سورة الأنعام] . ومن رحمته جل وعلا بعباده أن جعل الشمس والقمر حسبانا ،
ففي الشمس معرفة الفصول وفي القمر حسبان الشهور . وجعل الله السنة اثني
عشر شهرا قال الله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ
يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ
وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)) [سورة التوبة] .
@والشهور
الأربعة الحرم ثلاثة منها متوالية وهي : ذو القعدة ، وذو الحجة والمحرم .
والشهر الرابع منها مفرد وهو : رجب بين جمادى وشعبان . وإن من تيسير الله
تعالى أن جعل الحساب الشرعي العربي مبنيا على الشهور الهلالية ؛ لأن لها
علامة حسية يفهمها الخاص والعام ، وهي رؤية الهلال في جهة الغرب بعد غروب
الشمس ، فمتى رئي الهلال فقد دخل الشهر المستقبل ، وانتهى الشهر الماضي .
وبذلك عرفنا أن ابتداء التوقيت اليومي من غروب الشمس لا من زوالها لأن أول الشهر يدخل بغروب الشمس وأول
الشهر هو أول الوقت . بمعنى أن اليوم عند المسلمين يبدأ شرعا من غروب
الشمس ، وليس كما عند الأفرنجيين ، فبدايته عندهم من منتصف الليل . فمثلا
: يوم السبت بدايته عند المسلمين من غروب شمس يوم الجمعة ، وأما عندهم
فبدايته من منتصف الليل الذي يلي يوم الجمعة . وبناء عليه تكون بداية
اليوم عندنا متقدمة عن بدايته عندهم ، وكذلك نهايته متقدمة عندنا .

@قصة ابتداء التاريخ الهجري الإسلامي :
ولقد
كان ابتداء التاريخ الإسلامي منذ عهد أمير المؤمنين ، وخليفة رسول رب
العالمين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، حيث جمع كبار الصحابة
رضي الله عنهم سنة ست عشرة أو سبع عشرة من الهجرة ، فاستشارهم من أين يبدأ
التاريخ ؟ فقال بعضهم : يبدأ من مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال
بعضهم : يبدأ من بعثته صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : يبدأ من هجرته
صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : يبدأ من وفاته صلى الله عليه وسلم ،
ولكن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه رجح أن يبدأ من الهجرة المباركة ؛ لأن
الله فرق بها بين الحق والباطل . فجعلوا مبتدأ تاريخ السنين في الإسلام
سنة الهجرة ؛ لأنها هي السنة التي كان فيها قيام كيان مستقل للمسلمين ،
وفيها تكون أول دولة إسلامية يسيطر عليه المسلمون ، ويقيمون فيها شرع الله
جل وعلا ، فاتفق فيه ابتداء الزمن والمكان . ثم إن الصحابة الذين جمعهم
عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه تشاوروا فيما بينهم : من أي شهر يبدؤون
السنة ؟ فقال بعضهم : من ربيع الأول ؛ لأنه الشهر الذي قدم فيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة ، وقال بعضهم : من رمضان ؛ لأنه
الشهر الذي نزل فيه القرآن . قم اتفق رأي عمر ، وعثمان وعلي - رضي الله
عنهم- على ترجيح البداءة بالمحرم ؛ لأنه شهر حرام ، ويلي ذي الحجة الذي
فيه أداء الناس حجهم ، والذي به تمام أركان الإسلام ؛ لأن الحج آخر ما فرض
من الأركان الخمسة ، ثم إنه يلي الشهر الذي بايع فيه النبي صلى الله عليه
وسلم الأنصار رضي الله عنهم على الهجرة ، وتلك المبايعة من مقدمات الهجرة
، فكان أولى الشهور بالأولية لبدء السنة العربية الإسلامية الهجرية هو شهر
الله المحرم.
@إخواني
وأخواتي في الله ! إن علينا أن نشكر الله جل جلاله على ما يسره لنا من هذا
الحساب السهل الميسر ، وإن على الأمة الإسلامية أن تجعل لنفسها وجودا
وكيانا مستقلين مستمدين من روح الدين الإسلامي ، وأن تكون متميزة عن غيرها
في كل ما ينبغي أن تتميز به من الأخلاق والآداب والمعاملات ؛ لتبقى أمة
بارزة مرموقة لا تابعة لغيرها ، لا غارقة في تقليد من سواها تقليدا أعمى ،
لا يجر إليها نفعا ، ولا يدفع عنها ضررا ، وإنما يظهرها بمظهر الضعف
والتبعية ، وينسيها ما كان عليه أسلافها . ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما
أصلح أولها . فالتاريخ اليومي يبدأ من غروب الشمس ، والشهري يبدأ من
الهلال ، والسنوي يبدأ من الهجرة النبوية المباركة . هذا ما جرى عليه
المسلمون وعملوا به واعتبره الفقهاء في كتبهم في حلول آجال الديون وغيرها.
قال الله تعالى وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ
نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ
تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ
الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ
وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)) [سورة يس] .

@ويتضح لنا من هذه الكلمات اليسيرة عدة أمور :

(1)الليل
والنهار خزانتان لأعمال بني آدم يخزنون فيها أعمالهم ، فإن كانت أعمالهم
خيرا فلهم عند الله الثواب يوم القيامة ، وإن كانت الأعمال شرا ، كان
عليهم العقاب ، إلا أن يتكرم ربنا جل وعلا بالعفو والغفران .

(2)الليل والنهار آيتان من آيات الله جل وعلا العظيمة ، ولكل آية من هاتين الآيتين آيتان أيضا :

ـــ فآية الليل : فيها آيتان هما :
1ـ ظهور القمر فيه ، ونتيجة دورته هو أيام الشهر ولياليه ؛ فإن دورته تنتهي وتكتمل خلال ثلاثين ليلة أو تسع وعشرين ليلة .
2ـ أنه وقت هدوء وسكون وراحة لأبدان المخلوقات من إنسان وحيوان في الجملة ، وخاصة الإنسان قال تعالى : (وجعل الليل سكنا) [سورة الأنعام96] ، وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) [سورة سيدنا يونس عليه السلام67] .

ـــ وآية النهار فيها آيتان أيضا هما :
1 ـ ظهور آية الشمس فيه ، لتجعله منيرا مضيئا لمصلحة العباد ، من إنسان ، وحيوان ، ونبات .
2ـ كل نهار بمنزلة الحياة الجديدة ، يجدد فيه العبد قوته ونشاطه ، ويستقبل عمله ؛ لتعمر الحياة وتزدهر .

(3)الشمس هي آية الله عز وجل لمعرفة فصول السنة الأربعة ، والقمر لمعرفة بدايات الشهور ونهايتها .

(4)شهور
السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حُرُم ، ثلاثة منها متوالية وهي : ذو
القعدة ، وذو الحجة والمحرم . والشهر الرابع منها مفرد وهو : رجب مضر الذي
بين جمادى وشعبان . ومعنى (حُرُم) أنها يحرم فيه القتال بين الناس .
(5)ابتداء التوقيت اليومي عند المسلمين يبدأ من غروب الشمس ، لا من زوالها ، ولا من منتصف الليل .
(6)بدء
التقويم الهجري الإسلامي من عهد أمير المؤمنين ، وخليفة رسول رب العالمين
، عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، فهو الذي وضعه بالتشاور مع
الصحابة رضي الله عنهم جميعا .
(7)يجب
على الأمة المسلمة أن تعتمد وتتقيد بالتاريخ الإسلامي الهجري في تعاملاتها
وحساباتها لتبقى بشخصيتها المتميزة بين أمم الأرض ، فلا تقلد غيرها حتى لا
تكون تابعة ذليلة ، بل تكون بشخصيتها وأحكامها متميزة .. بارزة .. مرموقة
.

@ما الفائدة من معرفة بداية الشهر ونهايته ، وبداية اليوم عندنا الذي يبدأ بغروب الشمس؟؟
أولا ــ معرفة مواعيد حلول سداد الديون .
ثانيا
ــ معرفة وقت وجوب العبادات ، كبداية شهر رمضان المبارك ، وأيام الأعياد ،
وأوقات الزكاة ، ويوم وقفة عرفات ، وغيرها . فمثلا لو علمنا أن بداية
اليوم هو غروب الشمس ؛ فإن وقت دخول شهر رمضان مثلا يبدأ بغروب الشمس من
آخر يوم من أيام شهر شعبان ، فإذا غربت الشمس من آخر يوم من شعبان أصبحنا
في شهر رمضان ، فيثبت لهذه الليلة كل فضائل شهر رمضان باعتبارها أول ليلة
منه ، فيقوم المسلمون بصلاة التراويح ، وتعتبر من قيام رمضان إيمانا
واحتسابا .
ثالثا
ـــ معرفة مدة رضاع الأطفال التي شرعها الله لهم وهي (عامان) فلا يُعتدى
على حقوقهم بحرمانهم من الرضاع تلك المدة التي شرعها الله لهم وجعلها من
حقوقهم التي ينبغي الوفاء بها دون اعتداء أو حرمان . قال تعالى : (ووصينا
الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين) [لقمان14] ،
وفصاله يعني : فطامه .
رابعا
ــ ويترتب على ذلك الرضاع في هذه المدة معرفة ما إذا كان يجوز لرجل أن
يتزوج بامرأة أرضعتها أمه أو أرضعته أمها في خلال العامين ، والذي يعتبر
بذلك محرما عليه أن يتزوج منها إن كانت قد رضعت أو رضع في خلال هذه المدة
الزمنية .
خامسا
ــ معرفة بداية ونهاية عِدد (جمع : عدة) المطلقات والأرامل المتوفى عنهن
أزواجهن ، فيترتب على ذلك جواز الخطبة والنكاح لهن بدون إثم أو مخالفة
شرعية .
وغير ذلك من الفوائد والحكم التي ترتب عليها مصالح المسلمين الدينية والدنيوية ، مما لم يحضرني الآن لإثباته .

اللهم
إن كنت قد أصبت فيما كتبت ، فاجعل لي يا إلهي وسيدي ! وافر الأجر والثواب
فيما تفضلت به على عبادك وأنعمت من الإحسان والرضوان . وإن كنت قد أخطأت
.. أو غفلت .. أو ذهلت .. أو قصرت ، أو تجاوزت حدي ، ولم أعرف قدري ،
فتفضل علي يا إلهي ومولاي ! بمغفرتك وعفوك وتجاوزك عما تعلمه من تقصيري
وسهوي . اللهم عاملنا بما أنت أهله ؛ فإنك أنت سبحانك أهل التقوى وأهل
المغفرة ، ولا تعاملني بما أنا أهله ؛ فإنني أنا أهل القصور .. والضعف ..
والعجز .. والجهل .. والغفلة .. والخطأ .. والنسيان ، ولا حيلة لي يا ربي
وخالقي وإلهي ! إلى بلوغ درجة الكمال والمثال . رب اغفر وارحم ، واعف
وتكرم ، وتجاوز عما تعلم ؛ إنك تعلم ما لا نعلم ؛ إنك أنت الأعز الأكرم .
اللهم صل وسلم وبارك على الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، سيدنا
وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .

@تنبيه ورجاء إلى جميع إخواني وأخواتي :
كل
من كانت لديه ملاحظة عيب أو خطأ يجب عليه أن يصححه ، وكل من كانت لديه
إضافة زائدة ، أو إكمال لفائدة ، مما قصرت عنه همتي ، وضاق عنه وقتي ،
فليتفضل مشكورا بإضافة ما يراه من خير ونفع ، بشرط أن يتقي الله تعالى فيما يكتب أو ينقل ، متحققا من صحة ما ينسبه إلى الله تعالى ورسوله وشرعه ودينه . فإن كان شاكا فيما يريد كتابته فليتثبت ويسأل أهل العلم ، أو يبحث في مؤلفاتهم المعتمدة .
بارك الله تعالى فيكم جميعا ، ووفقنا جميعا لهداه ، وجعل أعمالنا كلها في رضاه .